حين لا يكون الهدف الشفاء... بل السلام

في صباحٍ اعتيادي، خرجتُ باكرًا متوجهة إلى الجناح، أتهيأ لجولتي الصباحية على المرضى.
قبل أن أفتح باب غرفتها، تنفّست بعمق ونويت:

“سأدخل وأمنحها شيئًا من الفرح، ولو كان صغيرًا.”

كانت إحدى مريضات اللوكيميا، في الثلاثين من عمرها، اعتدت رؤيتها كل صباح.
دائمًا برفقة زوجها الذي لا يتأخر عن دعمها بكلمة، أو لمسة، أو نظرة مواساة.

وأنا أيضًا اعتدتُ عليها...
تطلب المسكّن كل يوم،
تبكي وتردد وهي تنهار بصوت خافت:

“هل لمعاناتي نهاية؟”

لكن في ذلك الصباح، كان المشهد مختلفًا.
كانت تبكي كعادتها،
لكن الحزن كان أعمق هذه المرة.

علمت أن وفاة حدثت في العائلة،
وأن زوجها اضطر للسفر على عجل،
فبقيت وحدها مع والدتها المسنّة.

جلستُ إلى جانبها،
وسألتني بصوت مرتجف، كأنها تبحث عن ملجأ في سؤال:

“ماذا بعد؟ هل سأُشفى؟”

تأملت السؤال... ثم التفتُّ إلى داخلي.

الرعاية التلطيفية ليست طريقًا نحو الشفاء الجسدي،
بل طريقٌ لإعادة ترتيب الألم،
ليضيف شيئًا من المعنى وسط الضياع.

الطبيب في الرعاية التلطيفية يشبه من يُشعل نارًا صغيرة في قلب ليلٍ بارد،
لا يستطيع أن يُبعد الظلام،
لكنه يعرف كيف يجعل من تلك النار موضعًا للدفء،
والسكينة،
وربما لحديثٍ صادق... لا يحتاج إلى إجابة.

لأن الهدف ليس الشفاء دائمًا،
بل التناغم بين الأعراض والرغبات،
والتوازن بين المعاناة، والأمل، والسلام.

كتابة د. فاطمة أبو قرين

Next
Next

أثرٌ باقٍ